إذا كان التعليم العام، إلى الثانوي والتطبيقي في تراجع وانحدار بقيادة بعض المسؤولين، وهما بحاجة إلى إعادة هيكلة صارمة، لتلوثهما بسلوكيات وممارسات بغيضة من بعض المدرسين والأساتذة والدكاترة، قبل الطلبة، فإن جامعة الكويت في حالة غير مسبوقة من الارتباك، مع إمكانية إنقاذها بعد انقطاع خيط الأمل بمجيء الوزير الحالي، وذلك كله بسبب تدخلات بعض أعضاء مجلس الأمة!
فالجامعة وهي في سقوط حر شبيه بسقوط أحد الجسور الحديدية بكلية الهندسة ضمن مشاريع الجامعة، التي رفضت الإدارة السابقة تسلّمها لوجود آلاف المخالفات التي أحيل بعضها إلى النيابة، إلا أنه بتاريخ 24 نوفمبر، تم تسلّم مبانٍ رغم المخالفات، فكتبنا بذلك منذ أسبوعين: «وقف مدير الجامعة بالإنابة وبلاغ لنزاهة»، وبيّنا مساوئ قرار الوزير في اختيار الإدارة بالإنابة رغم كم الشكاوى المحيطة بها، التي لا ندري مدى قانونية استمرارها حتى الآن في هذا المنصب، الذي حصلت عليه كونها عميدة آنذاك، وذلك بعد انتهاء قرار عمادتها بتاريخ 25 ديسمبر الماضي!
لقد عارضنا، كما عارضت جمعية هيئة التدريس، كثيراً من الممارسات، من تسلّم المباني المخالفة إلى الإقصاء المهين والتعسفي لقياديين كثر، ومن دون إبداء الأسباب، وتعيين بدلاء، بعضهم كان الأسوأ ممن تحوم حوله الشبهات، في سابقة هي ليست الأولى في تاريخ جامعة الكويت، بل في العالم أجمع! وتساءلنا حينها إن كان رئيس الوزراء على علم باستقالة مدير الجامعة، فلم يخرج أي تصريح في هذا الشأن، ليستمر مسلسل تجاوزات الوزارة والإدارة بالإنابة في محاولة للسيطرة على لجنة اختيار المدير العام من خلال مجلس الجامعات الحكومية بالانحراف والمخالفة لقواعد المشروعية، وفق تصريح جمعية هيئة التدريس، التي استُبعدت بشكل غير قانوني. وزيادة على ذلك ما يتداول عن فرض قرارات من دون الرجوع إلى مجالس الأقسام العلمية المعنية للتشاور، مما يعد تهميشاًَ متعمّداً للوائح والتقاليد الأكاديمية، كالذي أوصت به لجنة الشؤون العلمية الأسبوع الماضي بنقل برنامج العلوم البيئية من كلية العلوم إلى كلية العلوم الحياتية، مع العلم بأن كلية العلوم هي المالكة للخبرة التدريسية والعملية، وبالأسلوب ذاته لنقل برنامج اضطرابات التواصل من كلية العلوم الحياتية إلى كلية الطب المساعد.
أما فوضى قلب الموازين المضحكة، والمنشورة في الصحف، فتتمثل بالحديث عن استغلال مركز علوم البحار التابع لكلية العلوم بمنطقة الفنطاس، ليكون مقراً لتقديم مقررات تمهيدية لطلاب المناطق الجنوبية البعيدة في تخصصات الآداب والتربية والشريعة، رغم عدم توافر مكتبة للتخصصات الأدبية في المركز، وما ستترتب عليه من معوقات للهيئة التدريسية! وهو قرار خاطئ لاستبعاد قرابة ألف طالب في مكان غير مخصص لهم بعيداً عن مبنى الجامعة الرئيسي بالشدادية، لغرض أشبه ما يكون تكسّباً شعبوياً على حساب سياسة وخطة الجامعة والهيكلة الإنشائية الضخمة، لتتضح لنا كل هذه التجاوزات، التي يتحمّل الوزير مسؤوليتها في إطلاق العنان لمن يعبث باستقرار اللوائح والأعراف المستتبة في الجامعة، ويربك المناخ الأكاديمي والإداري بين الإدارة ومجالس الأقسام العلمية التي هي ركيزة المؤسسة.
سمو الرئيس نحن لا نعلم الآثار الحقيقية لتجربتكم غير المسبوقة بتاريخ الكويت المعاصر بإحداث فقاعات من الفراغ داخل مؤسسات الدولة، بإقالة وقبول استقالة عشرات المسؤولين بهذه السرعة ومن دون تسكين البدائل، غير أن تطبيقها في قطاع التعليم أمر غاية في الخطورة لأثرها السلبي في الاستقرار الأكاديمي ومستقبل الأجيال، فنحن والتاريخ ندوّن أنه في عهدكم وتحت إشراف من عينتموه وزيراً تم إقصاء الأفاضل من فقهاء وعلماء ودكاترة وبروفيسورات بأسلوب فج مهين أساء إلى مستواهم الأكاديمي والاجتماعي، وبشكل ارتبط مع إقصاء مدير الجامعة، وكأنها حالة انقلاب على صف القياديين الأول في الجامعة بشكل أذهلنا، وبأسلوب غير مبرر من وجهة نظرنا، مما يتطلب مزيداً من التوضيح، وخاصة أن ثمانية عشر قيادياً في الجامعة، ممن طالبوا بعدم قبول استقالة المدير التمسوا من خلال ممثلهم لمقابلتكم، فلم يتسنَّ لهم ذلك، كما تقدّم لكم نخبة من الشخصيات الوطنية الرفيعة، الذين طلبوا منا مرافقتهم، لإبداء اعتراضهم على الوزير، فلم يحظوا بمقابلتكم، وطلب منهم لقاء الوزير فرفضوا ذلك.
من جانب آخر، فنحن أمام مسألة يجب الفصل فيها بشأن مصداقية التعامل حول ما أثير من شبهات الاستقالة، ففي اجتماع الوزير مع مدير الجامعة أفاده بتوجه من رئيس الوزراء لتقديم استقالته، فاستقال المدير، إلا أن الوزير حين سُئل في إحدى لجان مجلس الأمة، في السابع عشر من نوفمبر بمحضر رقم 6، عن سبب الاستقالة أفاد بأنها «لم تكن مسببة»، وهو ما يتنافى مع دعواه بأن الاستقالة كانت بطلب من رئيس الوزراء، ويتعارض مع السبب الضمني، الذي عبّر عنه المدير من دون التصريح به بكتاب الاستقالة، وهو«عدم القدرة على الاستمرار لمتغيرات العمل»، ناهيك عن تناقضه مع السبب الذي قدمه الوزير لأحد النواب، بأن استقالة المدير كانت «بناء على رغبته»، في تضليل واضح للحقائق.
سمو الرئيس إننا والمجتمع الأكاديمي والمدني والمتخصصين، إذ نؤيد ما نراه إصلاحاً في خطواتكم منذ توليكم، فإن لنا الحق، ونحن نزداد توجساً، في معرفة السبب الحقيقي وراء استقالة مدير جامعة الكويت، وإقالة الطاقم المحيط به، ونظراً للوقائع التي سطرناها وتداعيات ما آلت إليه الأوضاع التربوية والأكاديمية، فإنه قد بات مستحقاً إقالة وزير التربية والتعليم العالي.
المصدر : موقع القبس.